جهود أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله في خدمة مصادر الوحي: منصة محمد السادس للحديث الشريف نموذجا
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله ومن سار على نهجه إلى يوم الدين، وبعد:
منذ شاءت الإرادة الإلهية أن تشرق شمس الإسلام ببلاد المغرب، وأهله يتفانون في خدمته خلفا عن سلف.
ونظرا للمكانة التي تحظى بها مصادر الوحي من القرآن الكريم والسنة النبوية لدى المغاربة ملوكا وعلماء، بوصفها وحيا إلهيا، ودعامة أساسية للحفاظ على الهوية المغربية والثوابت الدينية، اتجهت عنايتهم الكريمة إلى خدمتها عبر التاريخ.
وتبرز هذه العناية في الدور الريادي الذي تقوم به وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية برعاية كريمة من أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله في التعريف بالكتاب والسنة النبوية، ونشر علومهما وقيمهما، وتوعية الناس بأهميتهما، وغرسهما في النفوس من خلال وسائل مختلفة؛ منها الإذاعة والقنوات، والتحفيز بالجوائز وإنشاء المؤسسات المتنوعة…
ونظرا للأثر العميق لوسائل الإعلام والاتصال في حياة الإنسان، الذي أصبح يعيش في عالم افتراضي، فقد تم استثمار تطور هذه التكنولوجيا في خدمة القرآن الكريم والسنة النبوية، ليتم تتويج جهود أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس -أعزه الله وأيده- بسطوع نجم جديد في سماء خدمة السنة النبوية ألا وهو منصة محمد السادس للحديث النبوي الشريف.
لذا فقد ارتأيت الكتابة في موضوع “جهود أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله في خدمة مصادر الوحي: منصة محمد السادس للحديث الشريف نموذجا“، ضمن خطة بحث اشتملت على مقدمة وثلاثة مطالب وخاتمة:
تعددت جهود أمير المؤمنين صاحب الجلالة محمد السادس نصره الله في خدمة الشأن الديني عموما، والقرآن الكريم خصوصا، ومنها ما يأتي:
يعد المسجد أول مؤسسة دينية علمية اجتماعية بنيت في المجتمع المسلم، مؤسسة تجمع بين تخصصات كثيرة، وتقوم بأدوار فاعلة في إكساب المصلين المناعة ضد كل أنواع العنف والانحراف.
ومما ميز المساجد بالمملكة المغربية، تلاوة القرآن وتجويده وحفظه وتفسيره، بالإضافة إلى:
وهذه كلها جواهر في عقد تدبير الشأن الديني المتميز في المملكة المغربية.[2]
ونظرا لأهمية المساجد والدور الكبير الذي تؤديه في مجال تعليم القرآن الكريم والسنة النبوية، فقد أولى صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله عناية خاصة بها، من حيث تأهيلها بإعطاء دفعة جديدة في تقوية العلاقة بين العالم والقيم الديني ورواد المساجد، باعتبارها قبلة للمواطنين الراغبين في معرفة الضروري من أمور دينهم، ورافعة أساسية للتوعية والتنمية المستدامة في أوساط الشبـــاب والنساء والنشء، حيث تحصنهم من كل الأفكار الهدامة والدخيلة على هويتنا المغربية.[3]
فقد حظي القرآن الكريم بعناية متميزة من صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، شملت كل ما يتعلق به قراءة وترتيلا ودراسة وتلقينا، وتبليغا لمختلف الفئات، حفظا له من كل خطأ أو تحريف؛ من ذلك مثلا ترسيخ سنة المداومة على حفظ كتاب الله بالمحافظة على دور “الكتاتيب القرآنية”، وتعزيز هذا الأمر بإحداث مزيد من مراكز تحفيظ كتاب الله، وإقامة مبادرات من قبيل؛ “مشروع قرى قارئة”.[4]
والجير بالذكر أن جهود أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله في خدمة القرآن الكريم قد أتت أكلها؛ وهو ما نراه اليوم من تألق القراء المغاربة ذكورا وإناثا صغارا وكبارا، وإحرازهم لجوائز المسابقات الدولية للقرآن الكريم؛ حفظا وترتيلا وتحقيقا وتفسيرا. وفي هذا تجسيد لتعلق قلوب المغاربة بالقرآن الكريم، وتمسكهم بالثوابت الدينية، وحرصهم على الهوية الوطنية المغربية.
من جهود أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله في خدمة القرآن الكريم، إحداث مؤسسة محمد السادس لطباعة ونشر المصحف الشريف، إذ قال أمير المؤمنين محمد السادس نصره الله: “اقتداء بالسنة الحسنة، وسيرا على النهج القويم، الذي دأب عليه أسلافنا المنعمون، في العناية الفائقة بكتاب الله العزيز، كتابة ورسما وضبطا، وحفظا ونشرا، وعملا على تقوية ارتباط كافة المسلمين من رعايانا وغيرهم بالقرآن الكريم وتعاليمه وآدابه، وحفاظا على قراءته المثلى التي أخذ بها المغاربة على مر العصور، وهي رواية ورش، أصدرنا أمرنا الشريف إلى وزيرنا في الأوقاف والشؤون الإسلامية، بالعمل على تخطيط القرآن العظيم في مصحف شريف، متميز بهيأته، وطبعه ونشره، على أوسع نطاق، ليكون باكورة عمل مؤسسة محمد السادس لنشر المصحف الشريف، التي أحدثناها للعناية بكتاب الله، تسجيلا وطبعا نشرا وتوزيعا، كما أمرنا بأن يعمل على توزيع هذا المصحف، على نطاق واسع، كاملا أو مجزءا، وأن ترسل منه نسخ كافية إلى المساجد التي تطلبه في الدول التي تعتمد رواية ورش، ولا سيما في الدول الإفريقية..”[5].
فلأهمية القرآن الكريم في حياة المسلمين، ومدى تأثيره في تحقيق الأمن النفسي، مصداقا لقوله تعالى: ﴿أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾[6]. فقد جاءت مبادرة إنشاء «مؤسسة محمد السادس لنشر المصحف الشريف» لحل الإشكالات القائمة بخصوص طبع ونشر وتسجيل وتوزيع المصحف الشريف. وتأسيسا على ذلك، أصدر الملك محمد السادس نصره الله أمره بمقتضى المرسوم الملكي رقم:198.1.09، الصادر في 8 ربيع الأول 1431هـ الموافق 23 فبراير 2010م، القاضي بإحداث مؤسسة، مهمتها العناية بكتاب الله عز وجل، تسجيلا وطبعا ونشرا وتوزيعا. وقد أشرف جلالته شخصيا على تدشينه يوم الخميس 15 رمضان المبارك 1431هـ الموافق 26 أغسطس 2010م، بكلفة إجمالية وصلت إلى ما يقارب المليار درهم. وتصل الطاقة الإنتاجية لمطبعة هذه المؤسسة إلى مليون نسخة من المصحف المحمدي الشريف سنويا، توزع على مساجد المملكة، وترسل نسخ منه بالقدر الكافي إلى مساجد الجالية المغربية المقيمة بالخارج، ومساجد الدول التي تعتمد رواية ورش، لاسيما الدول الإفريقية.[7]
وإلى جانب مؤسسة محمد السادس لنشر المصحف الشريف، نجد مؤسسات ومعاهد أخرى أنيطت بها مسؤولية العناية بالقرآن الكريم، كما هو حال معهد محمد السادس للقراءات والدراسات القرآنية، الذي يهدف إلى التعمق في علوم القرآن، وتخريج مجموعة من المتخصصين في علم القراءات القرآنية، يستطيعون الكشف عن خبايا كتاب الله تعالى.
نظرا لقدرة وسائل الإعلام والاتصال والرقمنة على خلق وعي لدى الناس، باختلاف مستوياتهم الفكرية والعمرية، فقد تم استثمار تطور هذه الوسائل لنشر القرآن الكريم على أوسع نطاق. إذ تم إنشاء إذاعة وقناة محمد السادس للقرآن الكريم «السادسة»؛ فشرعت في بث برامجها يوم الأربعاء 29 رمضان 1426هـ الموافق 2 نوفمبر 2005م، تنفيذا للتوجيهات الملكية السامية في الشأن الديني، وتطبيقا لبنود الاتفاقية المبرمة بين وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ووزارة الاتصال والشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة. وهي برامج تعكس التوجه المغربي في الشأن الديني، القائم على وحدة العقيدة الأشعرية والمذهب المالكي، وروح التسامح والانفتاح، المستلهمة من هدي القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، مع التعريف بالتراث الحضاري المتصل بالمساجد والمدارس، وإبراز الشخصية المغربية القارئة العالمة.
وتحقيقا لدورها في التوعية الدينية، تعمل “السادسة” على النقل المباشر للدروس الحسنية الرمضانية، التي تلقى بين يدي جلالة الملك محمد السادس نصره الله، إضافة إلى صلاة التراويح التي تبث مباشرة من مسجد الحسن الثاني بالدار البيضاء. كما تعمل على تعميق العلم بالواجبات الدينية، وتصحيح ممارستها وفق ثوابتنا الحضارية الإسلامية والوطنية، في وئام مع الثقافة الإنسانية العامة.[8]
وعلى العموم، فقد تنوعت البرامج التي تقدمها إذاعة وقناة محمد السادس للقرآن الكريم، والتي أثرت بشكل واضح في تأهيل الحقل الديني، وفي نشر العلم النافع، وهداية الناس إلى الطريق المستقيم.
لم تقتصر جهود أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله في انتهاج نوع معين من الأساليب خدمة للقرآن الكريم، بل طالت عنايته حملة كتاب الله عز وجل. وتنفيذا لمقتضيات الظهير الشريف، فإن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية تنظم مسابقة جائزة محمد السادس الدولية في حفظ القرآن الكريم وترتيله وتجويده وتفسيره، في شهر ربيع الأول من كل سنة هجرية، ويستدعى للمشاركة فيها كل الدول العربية والإسلامية، والدول التي توجد بها جاليات وأقليات مسلمة، وتختتم بحفل إحياء ذكرى المولد النبوي الشريف، حيث يتشرف الفائز الأول من كل فرع بتسلم جائزته من يدي أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله. ومن بين الجوائز السنوية المخصصة لحملة القرآن الكريم: جائزة محمد السادس للطفل الحافظ للقرآن الكريم، جائزة محمد السادس لفن الخط المغربي، جائزة محمد السادس لأهل القرآن، جائزة محمد السادس الوطنية في حفظ القرآن الكريم وترتيله وتجويده، جائزة محمد السادس للفكر والدراسات الإسلامية، جائزة محمد السادس للكتاتيب القرآنية.[9] بالإضافة إلى جوائز ومسابقات أخرى، كجائزة محمد السادس الوطنية لحفظ القرآن وترتيله وتجويده، التي تنظم في شهر رمضان من كل عام، وجائزة محمد السادس للكتاتيب المحلية.[10]
ولا شك أن أهم مقصد لإجراء المسابقات ومنح الجوائز الخاصة بالقرآن الكريم هو: تشريف وتكريم حملة كتاب الله، وتشجيع الهمم على:
أ. العناية بكتاب الله حفظا وتجويدا وتفسيرا، قال تعالى: ﴿وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ﴾[11].
ب. ربط الناشئة والشباب المسلم بكتاب الله العزيز، من خلال تشجيعهم على حفظه وترتيله وتجويده، وتدبر أحكامه ومعانيه، وتطبيقها في مختلف جوانب حياتهم الدينية والدنيوية.
ج. الارتقاء بالمستوى العام لمن خصهم الله تعالى بالعناية بكتابه العزيز، سواء فيما يتعلق بالحفظ والترتيل أو فيما يتعلق بالفهم والتفسير.[12]
فهذه الجهود الملكية لخدمة القرآن الكريم وحملته، إنما هي تجسيد عملي لإمارة المؤمنين في حراسة الدين والدنيا، ودليل على مدى حرص صاحب الجلالة نصره الله على تمسكه بالشريعة الإسلامية، حفظا للأمن الروحي للمغاربة وتزكية لنفوسهم.
إلى جانب إسهامات أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس نصره الله في العناية بالقرآن الكريم، فإن جلالة الملك لم يأل جهدا في حفظ المصدر الثاني للوحي، ألا وهو السنة النبوية. ومن أوجه العناية بها، ما يلي:
أولى أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس نصره الله اهتماما بالغا لمواصلة الدروس الحسنية في حضرة جلالته نصره الله خلال شهر رمضان الكريم من كل عام، وهي تتناول مواضيع متنوعة، من بينها ما يتعلق بالسنة النبوية؛ حيث تسهم هذه الدروس في الرد على تحريف المبطلين وتأويل الجاهلين، بأسلوب حضاري وقيم فاضلة. وقد “تولى هذه المهمة خيرة العلماء من داخل المملكة، وصفوة من الضيوف، أقطاب العلم والفكر الإسلامي، الوافدين من شتى بلدان العالم، الذين يتم استدعاؤهم من طرف وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، لإلقاء دروسهم الدينية أمام الحضرة المولوية. هذه الدروس التي تشكل في مجموعها ثروة فكرية إسلامية، تتنامى مع مرور السنوات، لتصبح رافدا للمتعطشين للثقافة الإسلامية الرصينة، ورواد الفكر الإسلامي المشرق، يغري بالاغتراف من معينه، والكرع من حياضه”[13].
ولم يقتصر إشعاع الدروس الحسنية على الرجال فحسب، بل تعداه إلى إشراك المرأة المثقفة العالمة. وهذه حسنة من حسنات أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، إذ جعل للعنصر النسوي مكانا في مجالس العلماء، مستوحيا ذلك من قول النبي (ﷺ): “النساء شقائق الرجال”.[14] فقد قال أمير المؤمنين حفظه الله: “فالإسلام كان أول من عالج قضية المرأة، وأعلى شأنها، ورفع الأغلال عنها، وأعاد لها مكانتها في المجتمع. فكرس الحق سبحانه مساواتها بالرجل في محكم تنزيله، ﴿ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾. ثم جاء توكيده، بلسان جدنا المصطفى، عليه الصلاة والسلام: (النساء شقائق الرجال)”[15].
أشرف أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، مرفوقا بصاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير مولاي الحسن، يومه الجمعة 23 صفر 1440ه (02 نوفمبر 2018م)، بمقر الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، على إطلاق “الدروس الحديثية” لإذاعة محمد السادس للقرآن الكريم، حول الحديث الشريف.[16]
ويستخلص من مبادرة إطلاق برنامج الدروس الحديثية، مكانة السنة النبوية في الرؤية الملكية السديدة. وقد أسهمت هذه الدروس المباركة في إغناء المشهد الديني الإعلامي، وتقريب علماء الأمة- لاسيما أهل الحديث- من الناس، بالتفاعل معهم في تمييز ما صح من الحديث وما لم يصح منه، وما عليه العمل وما ليس عليه العمل، ترشيدا لفهم نصوص السنة النبوية.[17]
وبالإضافة إلى إسهام الدروس الحديثية في إبراز الوحدة الدينية للأمة المغربية، وصد كافة المحاولات الرامية لتحريف سيرة النبي الكريم (ﷺ) وأحاديثه الشريفة؛ فإنها تهدف – أيضا – إلى تنوير المواطنين في مسائل الحديث النبوي الشريف بشكل عام، وحمايتهم من آثار الجهل والآثام المرتبطة به، ومن التيارات التي تقوم بنشر الأحاديث الموضوعة عبر وسائل الإعلام، لاسيما على شبكة الإنترنت، خدمة لأهداف إيديولوجية.[18]
من تجليات محبة أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس أعزه الله لأحاديث جده خاتم الأنبياء والمرسلين عليه أزكى الصلاة والسلام، حرص جلالته على استدلاله بالأحاديث النبوية في خطبه ورسائله الميمونة. ومن نماذج ذلك قوله في الرسالة الملكية السامية الموجهة إلى حجاج موسم 12 ذو القعدة 1439هـ- 26 يوليو 2018م: “لا شك في أن موسم الحج هو موسم استحضار شطر من السيرة العطرة لنبينا الأعظم، جدنا المصطفى (ﷺ)، وما جسدته هذه السيرة من قيم مثلى، ومن منهج قويم في العبودية لله رب العالمين، والقيام بواجب الحمد والشكر له على أن جعلنا خير أمة أخرجت للناس، وجعل نبينا صفوة خلقه، وخاتم أنبيائه ورسله، وبالتالي جعل أمته أمة وسطا بين الأمم. ومن ثم، فإن زيارة قبره الشريف، وروضته العطرة، من خير ما يشتمل عليه موسم الحج بالنسبة للمسلمين من مشارق الأرض ومغاربها، وعندما تقومون بهذه الزيارة استحضروا في ذلكم المقام المهيب والجناب الشريف، ما جرت عليه سنة أسلافنا من إجلال وتعظيم، وصلاة وتسليم، ودعاء وابتهال؛ لتنالوا أجر ذلك مضاعفا، حيث قال (ﷺ) «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ وَاحِدَةً صَلَّى الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا»”[19].
فهذه الرسالة الملكية الكريمة، واحدة من الرسائل والخطب التي يتجسد فيها مدى اهتمامه بالاقتداء بخاتم الأنبياء والمرسلين، والاعتصام بأقواله وأفعاله عليه الصلاة والسلام.
لقد كان لأمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله الفضل الكبير في إيلاء الأهمية الكبرى للأحاديث النبوية الشريفة؛ حيث امتدت العناية المولوية إلى حفظها بوصفها المصدر الثاني بعد القرآن الكريم؛ وكان من أوجه هذه العناية تكريم أهل الحديث، الذين كان لهم الدور البارز في الدفاع عن السنة النبوية وصونها، بعيدا مما يثار عليها من الشبهات، وذلك بمنحهم جوائز مهمة، تشريفا وتكليفا لهم. ومن هذه الجوائز: جائزة محمد السادس لأهم الشخصيات العلمية، التي كان لها تميز كبير في خدمة الحديث رواية ودراية؛ بالذود عنه، وإيضاح مسائله وقضاياه، بما يجلي بهاء هذا الدين وجماليته.[20]
ومن أهداف هذه الجائزة أيضا، تشجيع كل عمل يسهم في توعية الأمة بضرورة العناية بالحديث النبوي الشريف، وإبراز درره وجواهره؛ سعيا إلى استنهاض همم النشء، وتقوية ارتباط الشباب المسلم بالسنة النبوية المطهرة، ورغبة في مكافأة المؤهلات والقدرات الوطنية المتميزة في خدمة الحديث النبوي الشريف رواية ودراية، أو تبريزا في علم من علومه. وتم إحداث جائزة محمد السادس لأهل الحديث، بمقتضى الظهير الشريف رقم: 1.08.10، الصادر في 17 من جمادى الأولى 1429ه، موافق 23 ماي 2008م، المنشور بالجريدة الرسمية بتاريخ 3 رجب 1429هـ (7 يوليو 2008م).[21]
تعد المنصة فضاء رقميا خاصا بخدمة الحديث النبوي الشريف، وبداية لمشروع كبير للذب عن السُّنَّة، يُتيح طرح الأسئلة الحديثية على لجنة علمية متخصصة، تجيب عنها في غضون أربع وعشرين ساعة.[1]
لم تتوقف عناية مولانا أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله بالحديث النبوي الشريف عند مجهوداته السابقة، بل لقد ازدانت الساحة العلمية بسطوع نجم جديد في سماء خدمة السنة النبوية والذود عنها، ألا وهو إطلاق منصة محمد السادس الحديث الشريف. “وهي مكرمة أخرى من مكرمات أمير المؤمنين في خدمة الحديث الشريف، باستثمار وسائل العصر المتنوعة في تقريب الحديث النبوي لعموم الناس، وتوسيع دائرة نشره في مختلف بقاع المعمور، وفق رؤية معرفية ومنهجية، مستمدة من طبيعة الدرس الحديثي بالمدرسة الحديثية المغربية”[22].
وقد قام مولانا أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله بتدشين منصة محمد السادس للحديث النبوي الشريف، يوم الاثنين08 شوال 1443هـ الموافق لـ 09 ماي 2022م.
فما أهم أهداف هذه المنصة؟
من أهم مجالات عمل المجلس العلمي الأعلى، التي ينص عليها الظهير الشريف، العناية بالتراث الإسلامي والاهتمام به، والاجتهاد في إظهاره وإحيائه، لأنه يمثل فكر الأمة وتاريخها وحياتها، ولأنه أساس نهضتها وسند اجتماعها على خصوصياتها، التي تعاقبت عليها الأجيال.
لذا جعل أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله في عنق المجلس العلمي الأعلى، الذي يشرف برئاسته السنية، أمانة تحقيق الموطأ للإمام مالك رضي الله عنه، تحقيقا علميا متقنا، يعلو على كل التحقيقات التي عرفتها المكتبات الإسلامية في العالم الإسلامي في القديم والحديث، ويسمو على الأخطاء المتعددة التي وقعت في الأعمال السابقة، ليكون باكورة أعمالها العلمية النموذجية، التي تخرج على الوجه الموافق لصورة الرواية المسندة الموافقة لهيأة صدورها، الوفية لشرط المحدثين المتقنين في التناقل الروائي الصحيح.[23]
يقول جلالة الملك حفظه الله في نطقه السامي: “.. كما نكلف اللجنة الدائمة لإحياء التراث، بالعمل على تحقيق كتاب “الموطأ” لإمامنا مالك بن أنس رضي الله عنه، تحقيقا علميا متقنا، يليق بموضوعه، وبالمكانة التي يحظى بها لدى المغاربة. وإننا لننتظر من هذه اللجنة استدراك ما فات طبعاته السابقة، وذلك بالرجوع إلى مخطوطاته المغربية الفريدة، ليطبع في حلة وطنية أصيلة، جديرة بالمغرب، كمنارة مشعة للفقه المالكي”[24].
وخدمة للسنة النبوية، وحفظا لها من خطأ الجاهلين ووضع المتطاولين وكذب المفترين، فقد تم التركيز على كتاب الموطأ وصحيحي البخاري ومسلم، وغيرها من المصادر المعتمدة في السنة النبوية، لإتاحة الفرصة لعموم الناس، معرفة الأحاديث الصحيحة من الأحاديث الضعيفة أو الموضوعة، خاصة في زمن وسائل التواصل، التي صارت تشوش عليهم. لذا فقد “انكبت لجنة علمية متخصصة على جَمْع الأعمال الحديثية المغربية الجامعة لسُنًّة النبي عليه السلام، المحتج بها في موطأ الإمام مالك وصحيحي البخاري ومسلم، لأنها أصح الكتب الحديثية، ولتميزها بما تضمنته من أركان الدين واحتياجات المكلَّفين. حيث اعتمدت اللجنة المكلفة في جمع مادة هذه الدواوين، على الشرط المغربي في الرواية. ومنها:
ونظرا لرغبة البعض في الربح ولو على حساب المس بالمقدسات الدينية، واستغلال هؤلاء عدم تبين الناس لمدى صحة ما يروج في بعض مواقع التواصل الاجتماعي من أحاديث لا أصل لها في السنة النبوية؛ فقد عملت اللجنة العلمية المشرفة على منصة محمد السادس للحديث النبوي الشريف على تبيين المصادر المعتمدة في التنبيه إلى حكم ما يروج في بعض مواقع التواصل الاجتماعي، وحذرت من روايتها ونشرها، معتمدة على كتب منها:
ومن مقاصد الاهتمام بمصادر السنة، تمكين العموم من معرفة الحديث النبوي بدرجاته، هل هو صحيح أو ضعيف أو موضوع (مكذوب). وبهذه المناسبة، قال وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، أحمد التوفيق: “إن إطلاق “منصة محمد السادس للحديث الشريف”، يعد حدثا يتصل بالدين وبالعلم وبالتبليغ، ومن ثمة فهو يتعلق على الخصوص بالطلب الواسع من لدن الجمهور، من أجل التعلم والتبيُّن، وإدراك اليقين المطلوب في أمور التدين”[27].
كما تعد منصة محمد السادس للحديث النبوي الشريف بداية لمشروع كبير للذب عن السُّنَّة، وفضاء متاحا لطرح الأسئلة الحديثية على لجنة علمية متخصصة، تجيب عنها في غضون أربع وعشرين ساعة.[28]
ومن الجدير بالذكر، أن وسائل الإعلام سلاح ذو حدين، يمكن استعمالها في الخير، كما يمكن استعمالها في الشر. وكما نعلم أن الحاقدين على الدين الإسلامي كثر، يسعون بمختلف الوسائل إلى التشويش وإثارة الشبهات حول مصادر الوحي، وبصفة خاصة السنة النبوية؛ لذا فإن إنشاء هذه المنصة الرقمية، واستثمار التكنولوجيا الحديثة في وسائل الإعلام والاتصال، سيسهم بإذن الله في خدمة السنة النبوية، وييسر سبل الاستفادة منها، والدفاع عنها، بطرق مسايرة لمستجدات العصر.
فمنصة محمد السادس للحديث النبوي الشريف إذن، بزغت في مجال خدمة الإسلام وعلومه ومصادره، تلبية لمقتضى التطورات التي عرفها الفضاء الافتراضي، الذي يظل وسيلة سهلة في متناول الجميع، للوصول إلى ما يريده من المعلومات؛ الشيء الذي جعل الحاجة ملحة لإنشاء هذه المنصة التي تيسر الاستفادة من كم كبير من الأحاديث النبوية الصحيحة، تقدر بـ 10 آلاف حديث، وتتيح البحث عن نص الحديث أو موضوعه أو الراوي أو المصدر من كتب ومراجع السيرة النبوية، مرفوقة بمواد مرئية ومسموعة ومكتوبة من علوم الحديث والدروس الحسنية والبرامج التلفزية والإذاعية وغيرها، إضافة إلى باب خاص بالأسئلة والأجوبة.[29]
وعليه، فإن منصة محمد السادس للحديث الشريف الإلكترونية، ستسهم لا محالة في ربط المسلمين عامة والمغاربة خاصة بالمنابع الصافية للدين الإسلامي، وتعلمهم الحيطة والحذر مما يروج في الإنترنت، على اعتبار أنه ليس كل ما ينسب إلى رسول الله (ﷺ) فهو صحيح يحتج به، لذا ينبغي الاستثمار الأمثل للتكنولوجيا الحديثة في التعرف على درجات الحديث الشريف، والتمييز بين أنواعه، بالإضافة إلى سرعة إيجاد المعلومة، حيث لا يحتاج الباحث سوى نقر كلمات من متن الحديث أو سنده، للتحقق من صحته أو من عدم صحته. كما تتيح المنصة فرصة استفسار لجنة علمية متخصصة، مكلفة بالإجابة على أسئلة المهتمين.
وفي الختام، نخلص إلى النتائج الآتية:
– منذ اعتلاء أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله عرش أسلافه الميامين، وجلالته يقدم خدمات جليلة لحفظ ثوابت الدين الإسلامي، ويرسم صورة رائعة في الاعتناء بمصادر الوحي من القرآن الكريم والسنة النبوية وعلومهما.
– من تجليات جهود أمير المؤمنين الرائدة للعناية بالقرآن الكريم والسنة النبوية، إنشاء مراكز ومؤسسات مختلفة، منها: مؤسسة محمد السادس لنشر المصحف الشريف، وإذاعة محمد السادس للقرآن الكريم، وقناة محمد السادس للقرآن الكريم؛ وتطوير المؤسسات العلمية، والتحفيز بالجوائز، وتكريم العلماء…
– إطلاق منصة محمد السادس للحديث الشريف، تحت رعاية كريمة مباشرة لأمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس نصره الله، من أجل خدمة السنة النبوية، ومن قبلها المصدر الأول من الوحي القرآن الكريم.
وبإذن الله تعالى، نتوسم أن يكون لهذه المنصة شأن كبير في خدمة السنة النبوية، والتعريف بدور العلماء المغاربة في الاحتفاء بالحديث النبوي الشريف وعلومه، حفظا وتوثيقا ونشرا.
[1] منصة محمد السادس للحديث الشريف، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، الاثنين 09 ماي 2022م:
https://hadithm6.ma/article/%D9%85
[2] وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، أحمد التوفيق/ نقلا عن: حمل القرآن الكريم ونشره في المملكة المغربية، التأليف والطبع: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، مطبعة وراقة الفضيلة، المملكة المغربية، 1434هـ- 2013م. ص 9.
[3] الحصيلة الدينية لـ 20 سنة من حكم محمد السادس نصره الله، عيدودي عبد النبي، (موقع الصحيفة).
[4] إنجازات ملكية في الحقل الديني في عهد الملك محمد السادس نصره الله، نايف بن شرار، دار الكويت- المغرب، 25 ديسمبر، 2019م.
[5] مقتطف من الأمر الشريف رقم 199. 09. 1، بتاريخ 23 فبراير 2010م/ نقلا عن: حمل القرآن الكريم ونشره في المملكة المغربية، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، ص 7.
[6] سورة الرعد: 28.
[7] الملك محمد السادس.. 20 عاماً من المنجزات بالحقل الديني، نايف شرار، الأنباء، الاثنين 2019م/7/29.
[8] الذكرى العاشرة لإطلاق قناة محمد السادس للقرآن الكريم “السادسة”، البوابة الوطنية، المملكة المغربية، الاثنين 09 نونبر 2015م، بتصرف:
https://www.maroc.ma/ar/%D9%86%D8%B5
[9] الملك محمد السادس.. 20 عاماً من المنجزات بالحقل الديني، نايف شرار، الأنباء، الاثنين 2019/7/29. بتصرف.
[10] حمل القرآن الكريم ونشره في المملكة المغربية، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، ص 23.
[11] سورة المطففين: 26.
[12] الملك محمد السادس.. 20 عاماً من المنجزات بالحقل الديني، نايف شرار، الأنباء، الاثنين 2019م/7/29.
[13] الدروس الحسنية 1416ه، دعوة الحق، العدد 318، ذو القعدة 1416ه/ أبريل 1996م، بتصرف:
https://www.habous.gov.ma/daouat-alhaq/item/8014
[14] أخرجه الإمام أحمد في باقي مسند الأنصار، من حديث أم سليم بنت ملحان، برقم 5869؛ والترمذي في سننه، كتاب الطهارة، باب ما جاء فيمن يستيقظ فيرى بللًا ولا يذكر احتلامًا، برقم 105؛ وأبو داود في سننه، كتاب الطهارة، باب في الرجل يجد البلة في منامه، برقم 204.
[15] في رسالة سامية إلى المشاركين في اللقاء الأول للعالمات والواعظات والمرشدات بالصخيرات- 17 يوليوز 2009م، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، المملكة المغربية: https://www.habous.gov.ma/%D8%B1%
[16] الدروس الحديثية، منصة محمد السادس للحديث الشريف، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية: https://hadithm6.ma/article/%D8%A7%
[17] عناية مولانا أمير المؤمنين بالحديث النبوي الشريف، منصة محمد السادس للحديث الشريف- وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية:
https://hadithm6.ma/article/%D8%B9
[18] الدروس الحديثية، منصة محمد السادس للحديث الشريف- وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، بتصرف:
https://hadithm6.ma/article/%D8%A7%
[19] أخرجه مسلم في صحيحه، رقم الحديث: 408، بَابُ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ (ﷺ) بعْدَ التَّشهُّدِ، 1/ 306. انظر: الرسالة الملكية السامية، الموجهة إلى حجاج موسم 12 ذو القعدة 1439هـ- 26 يوليو 2018م، في البوابة الوطنية، المملكة المغربية:
https://www.maroc.ma/ar/%D9%86%D8%B5-
[20] عناية مولانا أمير المؤمنين بالحديث النبوي الشريف: https://hadithm6.ma/article/%D8%B9
[21] جائزة محمد السادس لأهل الحديث، منصة محمد السادس للحديث الشريف- وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، 2022م:
https://hadithm6.ma/article/%D8%
[22] عناية مولانا أمير المؤمنين بالحديث النبوي الشريف: https://hadithm6.ma/article/%D8%B9
[23] العناية بالموطأ، منصة محمد السادس للحديث الشريف: https://hadithm6.ma/article/%D8%A7
[24] خطاب أمير المؤمنين خلال ترؤسه افتتاح الدورة الأولى لأعمال المجلس العلمي الأعلى بالقصر الملكي بفاس (08 يوليوز2005م)/ انظر: العناية بالموطأ، منصة محمد السادس للحديث الشريف: https://hadithm6.ma/article/%D8%A7
[25] مبادرة مباركة من مولانا أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس حفظه الله، منصة محمد السادس للحديث النبوي الشريف: https://hadithm6.ma/article/%D9%85%D9
[26] للتوسع أكثر، المرجو الرجوع إلى المرجع السابق.
[27] البوابة الوطنية، المملكة المغربية، الاثنين 09 ماي 2022م: https://www.maroc.ma/ar/%D9%88%D8
[28] منصة محمد السادس للحديث الشريف- وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية: https://hadithm6.ma/article/%D9%85
[29] إطلاق “منصة محمد السادس للحديث الشريف”، المنصة 24، الاثنين 9 مايو 2022م، بتصرف:
https://alminassa24.ma/%D8%A5