يعتبر المسجد أول منشأة معمارية تُشيد داخل المدينة الإسلامية، وذلك اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، الذي جعل إقامة المسجد فعله العمراني الأول بعد هجرته إلى المدينة المنورة، فكان أن بنى المسجد النبوي الشريف، ومنذ ذلك الحين ظل المسجد في مركز حياة المجتمع المسلم، عمارة ورسالة واهتماما، وهذا ما نلحظه في خطط المدن والأمصار، التي بناها قادة الإسلام، على توالي الأزمنة والأعصار، وقد ذكر المقريزي أنه: “لما افتتح عمر البلدان، كتب إلى أبي موسى وهو على البصرة، يأمره أن يتخذ مسجدا للجماعة، ويتخذ للقبائل مساجد، فإذا كان يوم الجمعة انضموا إلى مسجد الجماعة، وكتب إلى سعد بن أبي وقاص وهو على الكوفة بمثل ذلك، وكتب إلى عمرو بن العاص وهو على مصر بمثل ذلك”[1].
وهكذا ظلت حركة بناء المساجد وعمارتها، مرتبطة بعقيدة المسلمين وإيمانهم، ومعبرة عن هويتهم وحضارتهم الممتدة في الزمان والمكان.
وقد تمثل المغاربة هذه المعاني منذ تقبلوا الإسلام، فأقبلوا على بناء المساجد في الحواضر والبوادي، وجعلوها منطلق كل أعمالهم الدينية والدنيوية، إذ أصبح يمثل بالنسبة لهم مكانا للعبادة، ومعهدا لتحصيل العلم، ومأوى لكل مظلوم وعابر سبيل.
وقد عرفت المنطقة الشمالية عبر أزمنة مختلفة، بناء عدد من المساجد المباركة الأولى التي بنيت بالمغرب الأقصى، مازال بعضها شاهدا على هذه المرحلة التاريخية، بينما انطوت معالم بعضها الآخر، وانمحت آثارها واندثرت. ومن المساجد التي حُفظ رسمها الأول، هذا المسجد الأثري، الذي يوجد على رأس جبل موسى الذي يشرف على منطقة بليونش ومدينة سبتة السليبة، والذي يتساءل الكثير من الذين وصلوا إلى قمة هذا الجبل، عن تاريخ إنشاء هذه المعلمة الأثرية الدينية وطبيعتها، وهي في حالة متهالكة آيلة للسقوط والانهيار.. وأرى أن من الفروض الكفائية حفظ هذا الإرث من الاندراس، لذا عقدت العزم على تناوله وإحيائه علميا، رغم ما يكتنف الموضوع من صعاب تتجلى في قلة المادة العلمية المتوفرة من جهة، وما يقتضيه الموضوع من الروية والتأني من جهة أخرى، وقد بذلت الوسع لخوض غماره، باذلا الجهد في كشف ما علق به من خلال المصادر العلمية، والروايات الشفوية المختلفة التي تيسر الوصول إليها.
ولا أزعم تحقيق الكفاية في بحث هذا الموضوع بل أعد هذه الورقات إحياء ودعوة لذوي الهمم للبحث والتنقيب، خاصة وأن عمارة المساجد القروية، تعد من بين المجالات الهامة في الدراسات التاريخية والأثرية، حيث كان للبيئة والطبيعة الأثر البارز في ظهور أشكال وتصاميم معمارية خاصة لهذه المنشآت الدينية، وهي ليس كما يعتقد البعض، أنها لم يكن لها نظام معماري خاص بها، ولا مخطط معد سلفاً لها، بل من الجدير القول: إن هذه التصاميم مستمدة أصولها من تخطيط المساجد الأولى في الإسلام.
ويعد هذا الموضوع مبتدأ لبحوث سأحاول –إن شاء الله عز وجل– تناولها مستقبلا، تتعلق بالمساجد وعمارتها، ومواصفاتها وملامحها، ويبقى القصد من بحث هذا الموضوع، هو محاولة التعريف بهذا “المتعبد المبارك” كما وصفه المؤرخون، والمساهمة في حفظ آثاره والتنبيه إلى قيمته التاريخية، وحماية مبناه الأثري من التخريب والطمس، ليظل محفوظا ذكرا ورسما.
يوجد هذ ا المسجد الأثري في أعلى قمة جبل موسى، الذي يشرف على قرية بليونش ومدينة سبتة المحتلة، على ضفة مضيق جبل طارق الجنوبية، يطل على العدوتين ويشرف على بلاد الأندلس، والصعود إليه يستغرق نحو الساعتين، والطريق إليه شاقة ووعرة، تمر عبر مسالك ومنحدرات، إذ يبلغ ارتفاعه عن سطح البحر 851 متراً.
ويعتبر هذا الجبل أحد المعالم الطبيعية المهمة بشمال المملكة، فهو يحمل اسم الفاتح الكبير موسى بن نصير (19-97ﻫ)، والذي كان والياً على شمال إفريقيا والأندلس عقب فتحها، والذي كان طارق بن زياد أحد عماله على طنجة. لكن “بالقدر الذي اشتهر اسم جبل طارق في الضفة الشمالية لبوغاز جبل طارق، بقدر ما أغفلت المصادر والذاكرة العربية ذكر جبل موسى بن نصير، رغم أنّ القائد الذي حمل الجبل اسمه كان أحد أكبر الفاتحين العرب الذين نشروا دين الإسلام بالحوض الغربي للبحر المتوسط، فظلت شهرته وشهرة الجبل الحامل لذكراه محصورة في ذاكرة القلة القليلة من سكان أقصى شمال المغرب الأقصى”[2].
وقد ورد ذكر جبل موسى في عدد من المصنفات العربية وغيرها التي عرفت بموقعه وقصة تسميته، ومنها:
ما جاء في “نزهة المشتاق في اختراق الآفاق”، للشريف الإدريسي السبتي (ت: 565ﻫ)، حيث أورد عن جبل موسى ما نصه: “فأما مدينة سبتة فهي تقابل الجزيرة الخضراء وهي سبعة جبال صغار متصلة بعضها ببعض معمورة، طولها من المغرب إلى المشرق نحو ميل، ويتصل بها من جهة المغرب وعلى ميلين منها جبل موسى، وهذا الجبل منسوب لموسى بن نصير وهو الذي كان على يديه افتتاح الأندلس في صدر الإسلام، وتجاوره جنات وبساتين وأشجار وفواكه كثيرة وقصب سكر وأترج، ويتجهز به إلى ما جاور سبتة من البلاد لكثرة الفواكه بها، ويسمى هذا المكان الذي جمع هذا كله بليونش وبهذا الموضع مياه جارية وعيون مطردة وخصب زائد”[3].
وجاء في “الاستبصار في عجائب الأمصار”: “وعلى قرية بليونش المذكورة، جبل عظيم فيه القردة، عبر من تحته موسى بن نصير إلى ساحل طريفة، فسمي به، وهو الصحيح، وكان عليه حصن هدمه مصمودة المجاورون له، ثم بناه الناصر عبد الرحمن المروانى، فهدموه ثانية” [4].
وقال “الحميري في الروض المعطار”: “بليونش قرية كبيرة عند سبتة آهلة كبيرة، وكان يوسف بن عبد المؤمن ملك المغرب أمر بجلب الماء من هذه القرية إلى سبتة، في سنة ثمانين وخمسمائة، على مسافة ستة أميال في قناة تحت الأرض، وشرع في عمل ذلك، ثم عاقت عنه عوائق فترك. وقرية بليونش على جبل عظيم فيه القردة، وتحته عبر موسى بن نصير إلى ساحل طريف فسمي به”[5].
وتدل هذه النقول على أهمية هذا الموقع الجغرافي وأثره في مختلف المجالات.
لا توجد بين أيدينا شواهد تاريخية دالة على تاريخ تأسيس هذا المسجد، باستثناء ما ذكره شهاب الدين أحمد المقري التلمساني (ت: 1041هـ) في كتابه “أزهار الرياض في أخبار عياض”، حيث أشار إلى هذا المسجد في سياق كـلامه عن منتزهات سبتة وببليونش بقوله: “وبهذا الجبل متعبد مبارك، وبساحله مَغطس المرجان، ومن عجائب هذا المتعبد أنَّ من دخله ممن ليس له أهلاً فإنه يجد في عنقه صفعاً إلى أسفل الجبل؛ وهو مسيرة ثلاثة أميال، وهو من سبتة على تسعة أميال، وبهذا الجبل منشأ القرود، وهو مستشرف على بعض الأندلس”. [6]
وباستثناء هذه الإشارات، فإن المصادر-فيما اطلعت عليه- أحجمت عن ذكر تفاصيل من شأنها أن تُعين على معرفة بيئة هذا المسجد وتاريخه.
وقد كان هذا المسجد الأثري والمتعبد المبارك، كما يقول الدكتور رشيد العفاقي: “كان معروفا على الأقل في القرن السابع الهجري (القـــرن الثالث عشر الميلادي)، وبحسب بعض الكتابات وشهادات أهل أنجرة فإن بناء هذا المسجد تمّ من قبل القائد العربي موسى بن نصير أثناء توقفه بهذا الجبل وهو في طريقه إلى الأندلس خلال رمضان من عام 93 هجرية/711م.”[7]
ومما يعزز هذا الرأي؛ أن “في مبنى المسجد ملامح من العمارة التي نجدها في المساجد المغربية المشيدة في الفترات المبكرة من تاريخه فهو بلا شك من المساجد الأولى التي بنيت بالمغرب الإسلامي”[8]؛ كما أن نسبة هذ الجبل إلى موسى بن نصير واقتران التسمية به تعزز هذا الرأي، كما ذهب إلى ذلك بعض الباحثين.[9]
ثم إن موسى بن نصير -كما تؤكد ذلك عدد من الروايات التاريخية- كان لا ينزل بلدا إلا وبنى به مسجداً، فهو “عندما عبر البحر إلى الأندلس سنة (93 هـ -712م)، واستصحب معه ثمانية عشر ألفاً من خيرة جنده؛ قسمهم فرقا بحسب قبائلهم وأصولهم ومراتبهم، وكان لكل جماعة راية، فانتظرهم هناك بمكان على مقربة من الجزيرة الخضراء، حيث ابتنى فيه مسجداً، وأخذت الرايات تفد عليه في ذلك الموضع؛ فعرف بمسجد الرايات، وظل عامرا قروناً طويلة” [10] ؛ كما تشير بعض هذه الروايات التاريخية إلى أن شمال المغرب على عهد موسى بن نصير، وطارق بن زياد عرف تشييد عدد من المساجد، أيام أن كان المسلمون مرابطين بطنجة وسبتة، لفتح بلاد الأندلس.
ونظير هذا المسجد في البناء والعمارة والموقع الجغرافي؛ بعض المساجد المباركة الأولى، التي كانت بمثابة القلاع الحصينة للإسلام، تنطلق منها مواكب الفتح الإسلامي، والتي أسسها موسى ابن نصير رفقة القائد المغربي طارق بن زياد، وحملت اسمه أحقابا من السنين ومنها:
الجامع البيضاء: ويعرف عند العامة “بمسجد الملائكة” تقديرا لشأنه، ويقع بقبيلة بني حسان على بعد نحو ثلاثين (30) كيلومترا من مدينة تطوان، وهو مسجد صغير، يتربع على ربوة عالية، مربع الشكل، طوله نحو خمسة أمتار، وعلوه لا يتجاوز الأربعة أمتار، وسقفه بالقبو في نحو نصف دائرة، طول محرابه متر ونصف على سبعين (70) سنتيمترا عرضا، وهو محكم البناء، بني بالجير والحصى الدقيق (الطابية) وأرضه حصباء، تبدو فيها حفر، ويقال: إن الناس كانوا يدفنون فيه أموالهم عند الفزع، ومن معتقداتهم: أن كل من أخذ منه شيئا لابد أن يصاب بسوء، ولا زالوا يتبركون به إلى الآن… ويبدو أنه أدخلت عليه بعض الإصلاحات عبر عصور التاريخ[11]؛ وظل هذا المسجد يؤدي المهمة المتوخاة من تأسيسه، تقام فيه الصلوات الخمس، ويتلى فيه كتاب الله ردحاً من الزمان..[12]
ومن العلماء الذين زاروا هذا المسجد التاريخي ووصفوه العلامة أبو الحسن مصباح الزرويلي المتوفى (1130هـ)، مر به في طريقه إلى تطوان سنة أربع وعشرين ومائة وألف هجرية (1124هـ)؛ الذي يقول عنه: “وقد رأيت مسجدا صغيرا، متقن الصنعة، على رأس كدية عالية في الهواء، في جبال بني حسان قرب مدينة تطوان، أجمع أهل ذلك البلد على أنه من عمل موسى بن نصير، وهم يسمونه مسجد موسى بن نصير، نقلوا ذلك خلفا عن سلف، رأيته سنة (1124هـ) ” [13]
والملاحظ أن هذه التسمية تنوسيت في السنوات الأخيرة وغلب عليه اسم (الجامع البيضاء) لظهوره من بعيد كالنجمة البيضاء اللامعة.
مسجد الشرافات: في قبيلة الأخماس على بعد خمسة وثلاثين (35) كيلومترا من شفشاون، وعن الجامع البيضاء بنحو ستين (60) كيلومترا، “ويسمى الشرفاء لوجوده وسط الجبال العالية وقرون من الحجر البارزة يشرف منها على أراضي الأخماس” [14].
ويُذكر أن بانيه هو طارق بن زياد، وقد أكد ذلك ابن عسكر في كتابه “دوحة الناشر بمحاسن من كان بالمغرب من القرن العاشر” بقوله: “وهو على ما يقال أحد المساجد التي بناها طارق بن زياد عند الفتح الأول” [15].
والمحتمل أن تأسيسه كما يقول سعيد أعراب: “كان في حدود سنة (85هـ – 704م) عندما ولاه موسى بن نصير على طنجة ونواحيها، وعهد إليه بالعمل على نشر الإسلام فيما يجاور طنجة من بربر غمارة وبرغواطة”[16].
ومنذ سنوات سقطت صومعته، وتصدعت بعض جوانبه، فأدخلت عليه وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بعض الإصلاحات.
جامع تكشطت: يوجد في قمة الجبل بقبيلة بني زيات على بعد نحو سبعين (70) كيلومترا من تطوان، يكاد يكون صورة طبق الأصل من الجامع البيضاء، ويعتقد أنه بني في هذا العصر، وأدخلت عليه تغيرات وإصلاحات، “وتكشطت كلمة بربرية، قيل إنه اسم امرأة سوسية كانت تتعبد هناك، أو أقبرت بهذا المكان ” [17]
والجامع بين هذه المساجد المذكورة، والتي شيدت على قمم الجبال، أنها كانت القلاع الحصينة للإسلام، فكانت مسجدا، ورباطا، ومدرسة، وهي التي نشرت لغة القرآن في هذه البلاد وحمتها، كما أنها جاءت “على مرتفعات مشرفة على ما يليها من البلاد، وأنها إضافة إلى كونها مكانا يتعبد فيه كانت رباطا لحراسة الثغور في الوقت نفسه، وكان يرابط بها مجموعة من العباد وغيرهم للعبادة وحراسة الموقع، وموقع هذه المساجد عل قمم الجبال جعلها مراكز للتواصل العسكري..”[18]
وفي هذا السياق يذكر أبو عبد الله محمد التجاني في “رحلته” أنه كان على طول الشريط الساحلي الممتد من سبتة إلى الإسكندرية، حيث قال: “وعلى هذا الساحل بطوله مساجد كثيرة، وهي مساكن للصالحين قديما وحديثا شهيرة، والناس يزورونها ويتبركون بها، وإنها لمن أحسن المساكن لمن يريد الانفراد لعبادة ربه، والساكن بها يجمع بين الاحتراس، ومجانبة الناس، وأكثر هذه المساجد من مباني ابن الأغلب مبتني المحارس من الإسكندرية إلى مجاز سبتة”[19].
وكانت لدى زهاد ومتصوفة المنطقة عادة التردد على هذا المتعبد لشهرته بينهم، ولصلاح الزهاد المتبتلين به، وبحسب شهادات بعض أهل بليونش فقد: “كان بجبل موسى وعلى مقربة من المتعبد عين ماء جارية معدة للشرب والوضوء، كانوا يعتقدون بركتها بحيث لا يعثر عليها إلا الزهاد وأهل الخير والصلاح” [20].
ويسمى عند أهل بليونش اليوم “مسجد الروضة”[21]، وفي هذه التسمية “ملمح صوفي لطيف يشير إلى أن النفس تأنس فيه في روضة من رياض الملكوت”. [22]
هذا المتعبد المبارك عبارة عن مسجد صغير المساحة، مستطيل الشكل، موازي للقبلة، طوله ستة أمتار، وعرضه ثلاثة أمتار، وارتفاعه لا يتجاوز ثلاثة أمتار، يشتمل على قاعة واحدة للصلاة، تتكون من محراب طوله متر ونصف، وعرضه سبعون سنتيمترا، وارتفاعه يقارب المترين؛ وله باب واحد من جهة الغرب لم يبق منها إلا شكلها الهندسي العتيق.
جدرانه مبنية من لبنات مكونة من الجير والحصى الدقيق (الطابية)، وسقفه مرصص بالحجارة وقد تداعى بعض أجزائه نتيجة العوامل الطبيعية، أما أرضيته فهي من الحصباء تخللها الحفر، ويبدوا أنه بقي على حالته الأولى التي بني عليها، ولم تطله يد الترميم والصيانة عبر عصور التاريخ.
وقد ذكر الأستاذ أحمد بنياية أن هذا المتعبد: “تعرض لعملية سرقة ممنهجة حيث خرب وسطه وزواياه وسرقت مآثره، وخصوصا الحجرة الأثرية الكبيرة المنقوشة التي كانت فوق بابه”[23].
وأنشد في ذلك قصيدة تقول بعض أبياتها:
أبليونش واثكل جرح يذيبنا…… ونمسحُ نوراً بل وزهرا ً بلا عطر
يعز علينا (الطودُ) يرفع نعشه….. طوته يد السراق في حُلكة القطر
نعوهُ بلا دمع وتلك مصيبة…… بلا خطب تلقى إلى أمد الدهر
مواكبه تمشي وتجدي وإنما…. عقوق ذوي (السراق) بالسبع والعشر
أبليونش (الأنهار) في حلل البها……أرق من أنفاس بمبتسم الثغر
ولم لا وقد جاء (التباب) مصرحاً …. بمافيه من (علج) وأوجهه الزعر
بلاد إذا أخبرت عنها بتبرها… فقل ما تشا عن عامر القلب والصدر
ألا قل لبستان الخمائل أنه… على ما حوى يهوى (الرباط) وذي الأجر
سلام على (الروضا) سلام على الرضا… سلام على الهدى هدى السر والجهر [24].
وخلاصة القول، أن هذا المسجد أو “المتعبد المبارك” كما وصفه المؤرخون -بلا شك- هو من المساجد الأولى التي بنيت بالمغرب الإسلامي، وقد صمد قرونا من الزمن في وجه أعتى الرياح والأعاصير، وأن أصله ما يزال قائما إلى يوم الناس هذا، وشكله ما يزال ماثلا رغم ما تعرض له من عوادي الزمان، ومن تخريب وتنقيب من قبل الباحثين عن الكنوز، وممن لا يقدّرون قيمة مثل هذه المعالم الأثرية التي شيدها الأسلاف، وممن لا يراعون حرمتها، حيث عمد هؤلاء إلى اقتلاع حجارته وتخريب بعض جوانبه، وحفر أرضيته وعند مخرج بابه.
لذا وجب الحفاظ على هذه المعلمة الأثرية الفريدة في المنطقة، والعناية بوضعيتها التاريخية، وحماية مبناها، وإصلاح وترميم ما خُرب منها؛ حتى لا تمسخ كما مسخت عدد من مآثرنا التاريخية عن قصد أوعن غير قصد، ثم أصبحت أثراً بعد عين، ثم لا أثر ولا عين كما يقال؛ فهي ذاكرة تاريخية وطنية، وتراث عمراني ثمين، وعمارة دينية وروحية عظيمة بشمال المغرب.
وتبقى هذه الخلاصات التي توصلنا إليها ليست نهائية، بل هي استنتاجات ينبغي إتمامها، وإضاءات تفتح سبلا جديدة في البحث العلمي عن المساجد الأولى التي بنيت بالمغرب، وتدفع إلى الاهتمام بالتراث المعماري الديني في العالم القروي التي مازالت معارفنا حوله ضعيفة.
فتاريخ عمارة المساجد المغربية ما يزال في حاجة إلى البحث والتنقيب للوقوف على روائع التراث الأثري الذي تزخر به بلادنا في مجال العمارة الدينية.
[1] – المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار، تقي الدين المقريزي، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1418 هـ، 4/5.
[2] – جبلُ موسى بن نصير.. عمود بحر الزقاق الشامخ، عبد السلام الجعماطي، مجلة الرافد، مجلة الكترونية ثقافية شاملة، دائرة الشارقة، حكومة الشارقة، دولة الإمارات العربية المتحدة، نونبر2020م، تم الاطلاع عليه بتاريخ:12 أبريل 2021.
[3]– نزهة المشتاق في اختراق الآفاق الشريف الإدريسي، عالم الكتب، بيروت– لبنان، الطبعة الأولى، 1409هـ، 2/528.
[4]– الاستبصار في عجائب الأمصار، مؤلف مغربي مجهول الاسم (توفي: ق 6هـ)، دار الشؤون الثقافية، بغداد، 1986م، 1/138.
[5]– الروض المعطار في خبر الأقطار: أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن عبد المنعم الحِميرى، المحقق: إحسان عباس، الناشر: مؤسسة ناصر للثقافة، بيروت – لبنان، الطبعة الثانية، 1980م، ص: 103.
[6]-أزهار الرياض في أخبار القاضي عياض، أبو العباس المقري التلمساني، تحقيق: مصطفى السقا – إبراهيم الإبياري – عبد العظيم شلبي، الناشر: مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر – القاهرة، عام النشر: 1358هـ – 1939م، 1/35-36.
كما أورد هذا النص المؤرخ السبتي أبو محمد بن أبي بكر عبد الله بن أبي الحضرمي، في شذرات من كتاب “الكواكب الوقادة في ذكرى من دفن في سبتة من العلماء والصلحاء والقادة”، تحقيق: عبد السلام الجعماطي ضمن كتاب: تواريخ السبتيين، منشورات المجلس العلمي المحلي لعمالة المضيق– الفنيدق، الطبعة الأولى (1436هـ – 2015م)، مطبعة الخليج العربي، تطوان، ص: 89.
[7]– مسجد أثري و”متعبد مبارك” بقمة جبل موسى يعاني من الإهمال والتخريب، رشيد العفاقي، جريدة الشمال، عدد 701، بتاريخ 7-14 أكتوبر 2013م، ص: 15.
[8]– المرجع نفسه.
[9]– سبتة وبليونش: دراسة في التاريخ والحضارة، عدنان أجانة، منشورات تطاون أسمير والجمعية المغربية للدراسات الأندلسية، الطبعة الأولى، (1442هـ – 2021م)، مطبعة باب الحكمة، تطوان، ص: 126.
[10]– ينظر: فجر الأندلس: دراسة في تاريخ الأندلس من الفتح الإسلامي إلى قيام الدولة الأموية (711-756م)، حسين مؤنس، دار الرشاد، القاهرة، الطبعة الثانية: (1429هـ – 2008م)، ص: 84-85.
[11]– ينظر: من تاريخ المساجد: المسجد بالمغرب ودوره التعليمي والديني في عصر الفتح الإسلامي، سعيد أحمد أعراب، مجلة دعوة الحق، مجلة شهرية تصدرها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، المملكة المغربية، العدد303، السنة: 1994، ص: 124.
[12]– ينظر: المرجع نفسه.
[13]– ينظر: سنا المهتدي إلى مفاخر الوزير أبي العباس اليحمدي، علي مصباح الزرويلي، مخطوط، نقلا عن مسجد موسى بن نصير، سعيد أعراب، مجلة دعوة الحق، مجلة شهرية تصدرها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، المملكة المغربية، العدد6و7، السنة: الخامسة، (ذو الحجة – محرم 1384هـ -أبريل -ماي 1965)، ص: 91 ، والمسجد في المغرب وأثره في نشر العلم، مصطفى المهماه، مجلة الفيصل، العدد الثامن، السنة الأولى (صفر 1398هـ -يناير 1978)، ص:71.
[14]- المسجد في المغرب وأثره في نشر العلم، مصطفى المهماه، ص:71.
[15]– دوحة الناشر لمحاسن من كان بالمغرب من مشايخ القرن العاشر، محمد بن عسكر الحسني الشفشاوني، تحقيق: محمد حجي، مطبوعات دار المغرب للتأليف والترجمة والنشر، سلسلة التراجم (1)، الطبعة الثانية، الرباط (1397هـ – 1977م)، ص: 22.
[16]– من تاريخ المساجد: المسجد بالمغرب ودوره التعليمي والديني في عصر الفتح الإسلامي، سعيد أحمد أعراب، ص: 124.
جاء في البيان المغرب، ابن عذاري المراكشي: “وكانت ولاية طارق على طنجة والمغرب الأقصى في سنة 85 وفي هذا التاريخ تم إسلام أهل المغرب الأقصى وحولوا المساجد التي كان بناها المشركون إلى القبلة وجعلوا المنابر في مساجد الجماعات…” ينظر: البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب، ابن عذاري المراكشي، تحقيق ومراجعة: ج. س. كولان، إِ. ليفي بروفنسال، الناشر: دار الثقافة، بيروت – لبنان، الطبعة: الثالثة، 1983 م،1/43.
[17]– ينظر: مسجد موسى بن نصير، سعيد أعراب، مجلة دعوة الحق، مجلة شهرية تصدرها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، المملكة المغربية، العدد6و7، السنة: الخامسة، (ذو الحجة – محرم 1384هـ -أبريل -ماي 1965)، ص: 91.
[18]– سبتة وبليونش دراسة في التاريخ والحضارة، عدنان أجانة، ص:128.
[19]– رحلة التجاني، أبو عبد الله بن محمد بن أحمد التجاني، الدار العربية للكتاب، ليبيا، تونس،1981، ص: 220.
[20]– رواية شفوية متداولة لدى أهل بليونش.
[21]– ذكر ذلك الأستاذ أحمد بنياية، وهو من المهتمين بتاريخ المنطقة في مقال له بعنوان: سرقة مسجد عتيق بقمة جبل موسى شرق مدينة سبتة، الأستاذ أحمد محمد بنياية، مقال غير منشور، مؤرخ بتاريخ 11 ذي القعدة 1434 هـ -18 شتنبر 2013م.
[22]– سبتة وبليونش: دراسة في التاريخ والحضارة، عدنان أجانة، ص: 128.
[23]– سرقة مسجد عتيق بقمة جبل موسى شرق مدينة سبتة، أحمد محمد بنياية، المقال غير منشور، مؤرخ بتاريخ 11ذي القعدة 1434 هـ -18 شتنبر 2013م، ص:1.
[24]– نفسه، ص:5.