فـاح الأريـج معطر الأرجـاء متمـايـلا كتمـايـل الحسـناء
ينساب مـا بين الخمائل ضاحكا وبنفسـه زهـو مـن الخيــلاء
يغشى الربوع قريبها وبعيدهـا تطـوافـه بشرى إلـى الأنحـاء
في كـل ربـع عرفـه مترقب والشوق يلفـح لفحـة الرمضـاء
ومواكب العشاق وحدها الهـوى وقفـت لتظهر فـي جميـل لقـاء
وعلى محياها ابتسامات الرضـا قد عبـرت عن كامـن البرحـاء
مدحت أغانيهـا بأعـذب نغمـة ذابـت لرقـة لـحنهـا أحشائـي
مستبشـرات كالـربيع طلاقـة مترنحـات فـي سنـى وهـنـاء
وأمامها ذهب الأصيل قد انتشـى شكـرا بمقـدم ضيفـه الوضـاء
شهر الصيام وقد بدا في أفقــه مـتلألئـا فـي عـزة وسـنـاء
يهب السرور لأمة الإسلام مـن علـيـائـه بمحـبـة وسـخـاء
نفحاتـه روح القلوب وبرؤهـا نسماتـه نعـم الشفـاء لـدائـي
وافى فوافـت ذكريـات كلهـا مجـد يناطـح هامـة الـجوزاء
فرضت على مر الزمان وجودها وغـدت فخار الدهـر والأحيـاء
أنعم بها من ذكريـات لم تـزل لماعـة كالشهـب فـي العليـاء
هي بلسم الدنيا يعالـج جرحهـا ويمـدهــا بـسلامـة ووقــاء
وإذا تحدثت الشعوب بنصرها وبمـا لهـا مـن عزة قـعسـاء
نطق الزمـان مرددا أمجادنــا لـما جرت فـي “مكـة” الفيحـاء
لمـا بدا نـور النبي “محمــد” متـنـقلا مـن بيتـه “لـحـراء””
يمشي بنور الله فـي أصباحـه متـزودا مـن هديـه بـغــذاء
يغدو إلى “غار” ليشهد حادثــا سيصير الدنـيـا جنـان صفـاء
وفؤاده بالـهدي منسـاق إلـى جبـل بعيد عـن هوى الـرقبـاء
يكسو الجلال صخوره وشعابـه وسفوحـه فـي هيبـة بيضــاء
وملائك الرحمن قامـت حولـه لتصـد عنـه عـوادي الأحيـاء
جدرانـه نور تلألأ سـاطعـا نشـوان يبدو فـي بديـع كسـاء
في قلبه رقص السرور معربـدا ومشى دبيب الزهو فـي الأحنـاء
لـو كان يملك منطقـا لأذاعـه فرحـا بـمقـدم سيـد الكرمـاء
ذاك الـفتى الـقرشـي “محمـد” مـن قد خلا بالـنفس كالـنبغـاء
حـتى يسرح طاقـة مـن فكره وضميره في الكون: فـي البطحاء
في الجو طلقا في الفضاء مرصعا بـالـنيرات وسـاطـع الأضـواء
في الشمس يغتال الظلام طلوعهـا فـي البدر يكشف صفحة الزرقـاء
في الرمل تلفحه الهجيرة وهو فـي مـد يكـون مشـهـد الصحـراء
في السـرب يغدو للمراعـي آمنـا يحـدو لـه الراعـي أرق حـداء
في النخل في الأعشاب في ماء جرى في الناس في الأخلاق في الأشيـاء
قـد كـان يعـبـد ربـه بـفـؤاده وبـروحـه فـي هـدأة وخفـاء
فـي حضن “غار” ضمـه فـتآنسـا قضيـا السنين على جميل وقـاء
حتى دنا نـور الـرسالـة وهو فـي نـجـواه يتبـع سنـة الـحكماء
نادى منادي الـوحي “اقرأ” يـا لـه مـن موقـف هز الدنيــا بنـداء
“جبريـل” جلجـل صوتـه بدعائـه فـي “الغار” لمـا جـاء بـالألآء
بـالذكر “بالقرآن” ينـزل مـشرقـا فـي ليلـة فـاقـت بحسـن رواء
لا الصبح يدرك من ضياء جبينها قدرا، ولا رأد الـضحـى بـضـيــاء
اللـه فضلـهـا فـأنـزل وحـيـه فيهـا نديـا، وهـو خير شفــاء
قـد جـاءنـا الـقـرآن تـحـفـة وهـديـة كـانت أجـل عطــاء
فتحت قلوب العالمين على الـهـدى ومحـت ظـلام الشرك والشحنـاء
ومشى الرسول بوحيها يدعـو إلـى نهـج الرشـاد بدعـوة النصـراء
فـالتفت حول الـدين جمـع رافـل في الـنور والتقوى وفي النعمـاء
جعلـوا كتـاب اللـه أول نـاطـق حكـمـا يـنفـذ أمـره بمضـاء
وفـدوه بـالأرواح والـمهج الـتي استـرخصوهـا في جميـل فـداء
كانـوا حواريي الكتـاب وجـنـده فـبنوا لـديـن اللـه أس بنــاء
يتلـون آي الذكر فـي صلواتـهـم ويـرجعـون مثـانـي الأسمــاء
فـقلوبـهـم مـفتوحـة لـحديثـه يصغـون في شوق وفي استحيـاء
وهم الألى عرفوا البلاغـة وارتـووا مـن نبعها الصافـي بخير ثــراء
تجري المقاطـع سلسبيلا صـافـيـا يحنـى رؤوس مصاقـع الـبلغـاء
وجدوا كتـاب اللـه أبـلغت ناطـق يروي الظماء في أنفس الـفصحـاء
راقـت معـانيه فـكانـت بلسـمـا للـروح مـن هـم ومتـن لـأواء
واهتـزت الأفنـان فـي بستـانـه واخضـرت الأغصـان بـالأنـداء
فإذا سمعـت حديثـه عن جنـة الـر ضـوان فـي وصف بديـع نـاء
تترنح الأعطـاف منـك تمـايـلا وتهيـم مـن طرب ومـن ســراء
وإذا قـرأت وعـيـده وعـذابــه للكـافريـن ومـكثـري الإيــذاء
وسمعـت وصف “جهنم” وزفيـرها ووفـودهـا فـي محنـة وشـقـاء
ولهيبهـا يشـوي الإهـاب ممزقـا مـن ساكـنهـا ضمـة الأحشــاء
ناديـت: رب سلامـة وسمـاحـة ألطـف فعبـدك أضعف الضعفـاء
وإذا مضيـت مـع الكتـاب ممتعـا إنسـان عينـك فـي حلـي وبهـاء
حمـل الكتـاب إليـك أخبـار الألى بـادوا مـن الـكفـار والأعــداء
فعرفت مصرعهم وسـوء مصيرهـم إذ كـذبـوا بـالوحـي والأنـبــاء
وعلمت من سعـدوا وسادوا واعتلـوا مـتمـتعيـن بـوافـر النـعمــاء
ووجـدت أن صلاتهـم إيمـانـهـم فهو الـضمـان لـعـزة ورخــاء
وإذا أردت الـعـدل تـدري بـنـده ونصـوصـه لسعـادة الأحـيــاء
جاءتك أحكـام الكتـاب صـريحـة تضـع الحلـول دون أي غـطـاء
وإذا أردت الـوعـظ يحيى أنفسـنـا ويحـول بيـن كمالـهـا والــداء
عرض الكتـاب عليـك ألوانـا بهـا تجـد الـقلـوب مراتـع الإحيــاء
متفيئـات فـي ظـلال عـريشــه تروى بأعـذب مـن زلال الـمـاء
سبحـان ربي مـا أجـل كـلامـه! يفـنـى الزمـان وإنـه لـبـقـاء
لن يستطيـع الواصفـون وإن هـم ملكـوا زمـام الـقول والإنـشـاء
أن يبلغوا فـي الـوصف أدنـى ذرة فكتـاب ربـك معجـز الـبلغـاء
يا معشر الإسـلام هـل مـن عـودة لكتـابكم نـور الـهدى الوضـاء؟
كنز الـعلـوم وتحفـة اللـه الـتـي زخـرت بـكـل جـلائـل الآلاء
لـم تهجرون دروسـه وعلـومــه متجـاهـليـن مكانـة الـقـراء؟
“الغرب” أصبـح مؤمـنـا بعلومــه و”الشرق” يكفـر بعـد طول لقـاء
عودوا إليـه تعـد لكـم أمجـادكـم كالشمـس تكشـف غمة الظلمــاء
وتـدارسـوه وعـظمـوا آيـاتــه شـدوا عليـه سواعـد الأبـنــاء
حتى يشبـوا مسلميـن ويحـفـظـوا هذا الـكتـاب كسـالـف الآبــاء