بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله،
وبعد؛ فيقول تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ [سورة البقرة: 143]
انطلاقا من هذه الآية يتبين لنا أن من نعمة الله تعالى على الأمة الإسلامية أن جعلها أمة وسطا، وأن اختصها سبحانه عن غيرها من الأمم بقيمة الوسطية تشريفا لها وتكليفا، لما لها من أهمية في استقامة حياة الناس إذا تحلوا بها خلقا وفكرا وسلوكا، لتبتعد بهم عن كل أشكال الغلو والعنف والتطرف، ولتعزز قيما سامية كقيم التسامح والتعايش بين الأديان أو بين المذاهب والطوائف المختلفة.
وقد ساهمت مدارس ومذاهب كثيرة في ترسيخ قيمة الوسطية، ومنها المدرسة المالكية وما تميزت به من خصائص كان لها الأثر الكبير في تعزيز التعايش ونشر السلم والاستقرار.
وفي هذا السياق جاء اختيار موضوع: “الأبعاد المقاصدية للوسطية والتعايش في ضوء المدرسة المالكية”، الذي تناولته من خلال مقدمة وثلاثة مباحث وخاتمة؛ وذلك على النحو التالي:
تنسب المدرسة المالكية إلى الإمام مالك بن أنس[1] مؤسس المذهب المالكي، فهو إمام دار الهجرة، وشيخ أهل الحجاز في الحديث والفقه غير منازع، والمقلّد المتبوع لأهل الأمصار وخصوصا أهل المغرب”[2].
كما تعتبر المدرسة المالكية مدرسة نسقية، لها أثر في الإنتاج الأصولي والفقهي للأمة، هي مدرسة وسطية في الفهم والتنزيل (تقوم على العلم والعمل)، مقاصدية تعطي مساحة شاملة لكليات الدين ومقاصده الجامعة، وواقعية تتعامل مع النوازل والمتغيرات أي اعتبار الواقع ومراعاة الأعراف، وهذا ما سيعرف في الفقه المالكي ب”الموسوعات النوازلية “، أو ب” فقه التنزيل ” أو” الاجتهاد التنزيلي”.[3]
شاءت إرادة ﷲ تعالى أن يخلق الإنسان مجبولا على الاجتماع مع أخيه الإنسان، وأن يجعل وجوده مرتبطا ارتباطا وثيقا بالناس وبالمجتمع، وليس منعزلا عنهم، وأن يتأثر بالواقع، ويعيش انعكاساته. هذا الأمر الذي يدفعه إلى التعايش مع محيطه الإنساني الذي يقتضي منه التفاعل والتعاون والتكامل مع أخيه الإنسان.
وقد كان للمدرسة المالكية الأثر الكبير في تعزيز التعايش بين الناس داخل المجتمع الإسلامي عامة والمغربي بصفة خاصة.
ومن المميزات التي بوأته المكانة الهامة في المملكة المغربية وفي بلدان أخرى تنوع أصوله وكثرة فروعه التي تميزت بالوسطية والمرونة، ويسرت التعايش مع الآخر. فقد شكل المذهب المالكي بأصوله وفروعه تجليا كبيرا ورافدا هاما من روافد الثقافة الإسلامية بمختلف أبعادها الدينية والاجتماعية والاقتصادية، إذ هو منظومة إنسانية متكاملة لما امتاز به من أصول تتأسس على مراعاة أحوال الناس في معاشاتهم اليومية ومحاولة معالجة قضاياهم ومشاكلهم عبر إيجاد الحلول للنوازل الطارئة والمستجدة في أحوالهم. وهذه الحال كانت مواكبة وملازمة للمذهب المالكي عبر مختلف الفترات التي مرت منها الأمة الإسلامية، مما يعني أن لهذا المذهب قدرة فائقة على مواكبة المستجدات ومسايرة التطورات واستيعاب مشاكل العصر وإيجاد الحلول المناسبة لها”[4].
وقد تعددت الأصول والفروع المميزة للمدرسة المالكية، وهي كما صرح بها الإمام القرافي المالكي: “الكتاب، السنة، وإجماع الأمة، وإجماع أهل المدينة، القياس، وقول الصحابي، والمصلحة المرسلة، والاستصحاب والبراءة الأصلية، والعوائد، والاستقراء، وسد الذرائع، والاستدلال والاستحسان”[5].
كما أن تنوع هذه الأصول بين ما هو نقلي وعقلي يفتح الباب أمام الاجتهاد لإيجاد الحلول للمستجدات الطارئة، ويشجع الناس للإقبال على المذهب المالكي، الذي يتميز بقدرته التشريعية من خلال التوسع في استثمار الأصول المتفق عليها، والتوسع في الاجتهاد من خلال المقاصد. كما أسهم المذهب المالكيّ بالغرب الإسلاميّ في التّقريب بين المذاهب، من خلال مجموعة من المزايا يختص بها: منها عدم الاختلاف مع المذاهب الأخرى في الأصول، واعتماد مبدأي التكامل والتساند مع المذاهب الأخرى، والانفتاح على شرع من قبلنا والعرف وغيرها من الأصول التي أكسبته القدرة في معالجة القضايا الطارئة، والقابلية لملائمة مختلف العصور.
تعد المصلحة المرسلة من الأصول التي تميز بها المذهب المالكي، وهي سر وسطيته وتعايشه مع المخالف له، كما تتبين خصوبة المذهب وسعته، وإمكان تخريج الأحكام على أصوله الملائمة لكل عصر ومكان، لاسيما على أصل المصلحة المرسلة الذي سيطر على جميع فقه مالك في كل المسائل التي لا نص فيها، حتى قرن اسم المصالح المرسلة بمذهب مالك. كما أنه يتبين لنا من كثرة هذه الأصول مقام الإمام مالك في فقه الرأي، فقد اشتهر به على خلاف المعهود من فقهاء مدرسة الحجاز، وأكثر من الأخذ بهذا الأصل حتى صار قوام اجتهاده بالرأي يقوم على أساس المصلحة. وربما أخذ بالقياس أو المصلحة وترك خبر الآحاد بناء على أن مخالفة الخبر للمصلحة، أو للقياس الثابت المبني على قواعد الشريعة- دليل على ضعف الخبر وعدم صحته”[6].
فالمصلحة المرسلة من أهم الأصول التي ارتكزت عليها المدرسة المالكية لما لها من نفع على المسلمين بحفظ الكليات الخمس، فهي تطبيق لمقاصد الشريعة، وأيضا لما لها من قدرة على مواجهة المستجدات الطارئة في المجتمع الإسلامي، وأعطت صلاحية واستمرارية لهذا المذهب بل وللشريعة جمعاء.
يعد سد الذرائع من بين الأصول الوسطية التي أكد عليها الإمام مالك تفاديا للمآلات غير الشرعية التي تفضي إليها.
والذريعة هي الوسيلة إلى الشيء، يقول القرطبي هي: “أمر غير ممنوع لنفسه، يخاف من ارتكابه الوقوع في ممنوع”[7]، فكل وسيلة أفضت إلى مفسدة فهي ممنوعة ولو كانت في نفسها مباحة. وذلك من جهة تغليب ظن الوقوع في المفسدة. و”سد الذرائع من أصول الاستنباط الفقهي المهمة عند المالكية، وليس في المذاهب الفقهية الأربعة المنتشرة، ولا في غيرها من بلغ في أخذه بهذا الأصل مبلغ المذهب المالكي، وبهذا كان العمل بالمصلحة المرسلة أصلا مستقلا من أصول التشريع عنده، وليس سد الذرائع إلا تطبيقا عمليا من تطبيقات العمل بالمصلحة، ولذلك عدوه ضمن أصولهم وأعملوه في استنباطاتهم وتخريجاتهم في جميع أبواب الفقه، وفي كثير من المسائل العلمية وبالغوا في ذلك حتى عد بعض الفقهاء سد الذرائع من خصوصيات مذهب إمام دار الهجرة”[8].
يمتاز الفقه المالكي برحابة صدره وانفتاحه على غيره من المذاهب الفقهية والشرائع السماوية السابقة واعترافه بالجميع، واستعداده للتعايش معه والاستفادة منه بفضل “قاعدة شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد ناسخ” التي اتخذها مالك أصلا من أصوله التي بنى عليها مذهبه وأسس عليها فقهه.
ومن نماذج اتخاذ المالكية شرع من قبلنا شرعا لنا ما لم يرد ناسخ، الأخذ بمشروعية الجعالة والكفالة من شريعة يوسف كما حكاه الله عنه في قوله: ﴿وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ ﴾[سورة يوسف:72]. كما استدلوا على جواز الإجارة والنكاح على المنافع بقول صاحب مدين: ﴿قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ﴾ [سورة القصص:27].
وهذه بعض النماذج موجزة عن استمداد الفقه المالكي من الشرائع السابقة والتي تبرز نهج المدرسة المالكية لمبدأ الوسطية وانفتاحها على المذاهب الأخرى، وابتعادها عن التعصب المذهبي وما يجر معه من غلو وتطرف”[9].
وبذلك نستخلص رحابة المذهب المالكي وانفتاحه على ما سبق من تشريعات الأمم السابقة، لاستيعاب الوقائع المماثلة والاستفادة من تجارب الإنسانية في ارتباطها بالوحي وتحقيق مقاصده”[10].
كما أن تعددها وتنوعها يدل على انفتاح المدرسة المالكية على غيرها من المدارس والمذاهب وإمكانية الاستفادة من تجارب الآخرين المحمودة.
سيرا على نهج المذهب المالكي وما يمتاز به من وسطية واعتدال في الأمور الحياتية، يتحقق التعايش بين المختلفين، فهو الحل الأمثل لحوار الحضارات.
فسبحانه وتعالى خلق الناس مختلفين في الجنس والشكل واللون واللغة والفكر .. ليتحقق من هذا الاختلاف التعارف والتواصل والتعايش والتعاون وتبادل المعارف والخبرات بل والتكامل البشري. مصداقا لقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ سورة الحجرات:13.
والجميل في المدرسة المالكية انفتاحها على الآخر المخالف لها وتعايشه معه، وذلك بـ:
– إباحته الاقتداء بالمخالف في الفروع ولو ترك شرطا من شروط الصلاة أو ركنا من أركانها في الفقه المالكي إذا كان الإمام لا يراه شرطا ولا ركنا في مذهبه، ومن الأمثلة على ذلك: الصلاة وراء من نام ولم يتوضأ أو لا يقرأ الفاتحة في الصلاة، أو يفتتح الصلاة بغير تكبيرة الإحرام على مذهب الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه.
– في تصحيحه حكم المخالف لمذهب مالك ومنع نقضه وإن خالف المشهور أو الراجح في المذهب المالكي، وهي القاعدة المعروفة بحكم الحاكم يرفع الخلاف المشار لها بقول خليل ورفع الخلاف لا أحل حراما.
– فيما قرره الفقه المالكي في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أن المختلف فيه لا يجب فيه الأمر بالمعروف ولا النهي عن المنكر، وهي قاعدة من أهم القواعد التي تحقق التعايش بين المذاهب والطوائف المختلفة وتحفظها من الصراع المذهبي والطائفي، حيث ﻻ ينكر بعضهم على بعض فيما يراه مشروعا في دينه أو في مذهبه.
– في استحسان علمائه العمل برأي المخالف ابتداء في بعض مواطن الخلاف من باب الورع والخروج من الخلاف، ومن أمثلة على ذلك قراءة البسملة سرا، وقراءة الفاتحة خلف الإمام للخروج من خلاف الشافعي.
– في إباحته الخروج عن المذهب والعمل بقول المخالف عند الحاجة وفي بعض القضايا التي يصعب فيها الأخذ بالفقه المالكي أو لغير ذلك من الأسباب
وبهذا يتبين مدى انفتاح الفقه المالكي على غيره ومصالحته له وتعايشه مع في سلام وتفاهم ووئام وإمكان الأخذ عنه والاقتباس منه.
وهذا هو الذي تفاعل في رحم المجتمع المغربي عبر التاريخ ليجعل منه هذا المجتمع المنفتح المتسامح المتسع لمخالفة المخالفين لكن دون فقد خصوصياته ولا تضييع لهويته”.[11]
من المقاصد المستنبطة من تنوع أصول المدرسة المالكية وكثرة فروعها ومصطلحاتها الحرية الدينية، فإن هذا المذهب الذي جعل أول أصوله القرآن الكريم والسنة النبوية يسير على نهجهما في تربية المسلم على حسن معاملته للآخر واحترام الحرية الدينية. هذه الأخيرة مكفولة بنصوص قرآنية متعددة، والتي تظهر بشكل واضح في محكم كتابه: {لا إكراه في الدين} سورة البقرة:256.
لذا فإن الحرية الدينية من الحقوق التي صانها المذهب المالكي تحقيقا للأمن العقدي، ومن تجليات حرية الاعتقاد منع المالكية إجبار الأب لأبنائه الدخول في الإسلام؛ “فقد كَتَبَ إلَى مَالِكٍ فِي رَجُلٍ أَسْلَمَ وَلَهُ وُلْدٌ صِغَارٌ فَأَقَرَّهُمْ أَبُوهُمْ حَتَّى بَلَغُوا اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً أَوْ شِبْهَ ذَلِكَ. فَأَبَوْا أَنْ يُسْلِمُوا أَتَرَى أَنْ يُجْبَرُوا عَلَى الإسلام؟ فَكَتَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ لَا تُجْبِرْهُمْ”.[12]
فرغم فساد معتقد الأبناء، إلا أن الأب ليس من حقه إرغامهم على ترك معتقدهم، لأنه يشكل جزءا من شخصيتهم. لذا فالدعوة إلى التعايش لا تعني تخلي الإنسان عن معتقده، بل إن المدرسة المالكية تقر الذميين على دينهم إذا رغبوا فيه. قال أبو الوليد الباجي: “إنَّ أهل الذِّمَّةِ يُقَرُّونَ عَلَى دِينِهِمْ وَيَكُونُونَ مِنْ دِينِهِمْ عَلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ، لَا يُمْنَعُونَ مِنْ شَيْءٍ مِنْهُ فِي بَاطِنِ أَمْرِهِمْ، وَإِنَّمَا يُمْنَعُونَ مِنْ إظْهَارِهِ فِي الْمَحَافِلِ وَالْأَسْوُقِ”[13].
وفي رعاية المدرسة المالكية لحرية المعتقد أو الحرية الدينية رعاية لكرامة الإنسان واحترامه لإرادته، واعتبارها مسؤولية شخصية، ليس من حق أحد أن يلزم غيره ما لا يريد حتى وإن كان أبا مع أبنائه أو العكس، فكل إنسان مسؤول على اختياره وسيحاسب عليه.
من الغايات المستنبطة من أصول المذهب المالكي وقواعده المتميزة بالتوسط، والمحققة للتعايش السلمي بين المسلمين والآخرين؛ حفظ الكليات الخمس لكل إنسان بغض النظر عن جنسه ومذهبه ودينه وعرقه. فسيرا على النهج النبوي في تحريم قتل النفس بدون حق وخاصة إذا كان معاهدا[14]، فإن المذهب المالكي بأصوله وقواعده عمل على حفظ النفس دون تمييز بين الذات أو الآخر، بتحريمه القتل وأي نوع من أنواع الاعتداء على حرمة الحياة.
فالمذهب المالكي يحترم حق الحياة للآخر، لذا فهو يسعى بالسبل السلمية لحل الخلافات بدل العنف وما يستتبعه من نزاع وصدام.
لذا فقد نجح المذهب المالكي في الحد من جريمة القتل في المجتمعات التي دانت له مدة سيادته في محاكمها. ويؤكد هذا أمران:
الأول: نظري تشريعي يتمثل في وضع القواعد الصارمة وغير المتساهلة مع من تسول له نفسه الاعتداء على حياة الناس وأرواحهم.
وهكذا أوجب القصاص في القتل العمد بقطع النظر عن الآلة المستعملة فيه، والطريقة المتبعة في تنفيذه، وسوى بين القتل مباشرة والقتل تسببا…
وبهذا التشريع الصارم سد جميع أبواب القتل وأغلق نوافذه، وضمن للناس حياة آمنة مطمئنة كما وعد الله تعالى بها في قوله: ﴿ وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ سورة البقرة: 179.
ويؤكد هذا الأمر الثاني: وهو قلة نوازل الدماء في كتب النوازل الفقهية المالكية مما يفسر قلة حوادث القتل، ويسجل شهادة واقعية باستتباب الأمن في تلك الأزمنة والبلاد التي ساد فيها الفقه المالكي”.[15]
فالمدرسة المالكية من المدارس التي سعت إلى حفظ قدسية حياة الإنسان بغض النظر عن اختلاف الدين والعرق والمذهب، فالكل سواء في التكريم وحفظ الضروريات ومنها حفظ النفس الإنسانية.
إن من الغايات التي أعطت للمذهب المالكي الامتداد عبر التاريخ والقبول حتى من المخالف الذي استقى قوانينه الوضعية من هذا المذهب، حفظ حقوق المالية لغير المسلمين خاصة إذا كانوا من أهل الذمة. والمعلوم أن المال من الكليات الضروريات لقيام الحياة، لذا فقد أولت المذاهب الفقهية وعلى رأسها المذهب المالكي عناية كبيرة لحفظه واستثماره دون تمييز بين مال المسلمين وغير المسلمين.
ومن وجوه التعايش بين المسلمين وغيرهم تأمين أهل الذمة في أنفسهم وأموالهم وأعراضهم ومثال حفظ المدرسة المالكية أموال غير المسلمين، ضمان المسلم لما أتلفه من أموال الآخر؛ “فقد حكم المالكية بضمان المسلم ما أتلفه من خمر الآخر قُلْتُ: أَرَأَيْتَ مُسْلِمًا غَصَبَ نَصْرَانِيًّا خَمْرًا؟ قَالَ: عَلَيْهِ قِيمَتُهَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ. قُلْتُ: وَمَنْ يُقَوِّمُهَا؟ قَالَ: يَقُومُهَا مَنْ يَعْرِفُ الْقِيمَةَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ”[16].
وإجمالا فإن في الاعتداء على المال ضياع له، ولا يتحصل حفظه إلا بإبعاده عن التلف وغيره من صور الإفساد.
بالنسبة لحفظ الأعراض وما يترتب عنه من النسل، فإن المدرسة المالكية أقرت بحق النسب للقيط يلتقطه المسلم، فيدعي النصراني أنه ابنه؛ فقد سئل الإمام مالك عن ذلك فكانت الإجابة: “مَنْ أَقَامَ عَلَيْهِ بَيِّنَةً أَيُقْضَى لَهُ بِهِ وَإِنْ كَانَ فِي يَدِ مُسْلِمٍ فَأَقَامَ ذِمِّيٌّ الْبَيِّنَةَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُ ابْنُهُ أَتَقْضِي بِهِ لِهَذَا الذِّمِّيِّ وَتَجْعَلُهُ نَصْرَانِيًّا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ فِي اللَّقِيطِ يَدَّعِيهِ رَجُلٌ: أَنَّ ذَلِكَ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ أَوْ يَكُونُ رَجُلًا قَدْ عُرِفَ أَنَّهُ لَا يَعِيشُ لَهُ وَلَدٌ فَيَزْعُمُ أَنَّهُ فَعَلَهُ لِذَلِكَ فَإِنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ، فَإِذَا عُرِفَ ذَلِكَ مِنْهُ رَأَيْتُ الْقَوْلَ قَوْلَهُ، وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ ذَلِكَ مِنْهُ لَمْ يُلْحَقْ بِهِ، فَإِذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عُدُولًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَهَذَا أَحْرَى أَنْ يُلْحَقَ بِهِ نَصْرَانِيًّا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ.
قُلْتُ: فَمَا يَكُونُ الْوَلَدُ إذَا قَضَيْتُ بِهِ لِلنَّصْرَانِيِّ وَأَلْحَقْته بِهِ أَ مُسْلِمًا أَمْ نَصْرَانِيًّا؟
قَالَ: إنْ كَانَ قَدْ عَقَلَ الإسلام وَأَسْلَمَ فِي يَدِ مُسْلِمٍ فَهُوَ مُسْلِمٌ وإِنْ كَانَ لَمْ يَعْقِلْ الإسلام قُضِيَ بِهِ لِأَبِيهِ وَكَانَ عَلَى دِينِهِ.”[17]
فالملاحظ أن الإمام مالك لم يكتف بإقرار النسب بل وقضى له بدين أبيه وهذا التصرف من صور سماحة الإسلام التي أقرتها المدرسة المالكية لغير المسلمين.
اقتضت حكمة الله تعالى في خلق الناس مختلفين في أشكالهم وأجناسهم وعقولهم ولغاتهم وأديانهم، من أجل التعارف والتواصل والتعاون ليس فقط بين المسلمين فيما بينهم، بل ومع غيرهم من أصحاب الأديان الأخرى. هذا التنوع والاختلاف خاصة في الأديان إذا أحسن استغلاله، جنب البشرية الصراع، وأثمر السلم والأمن المادي والمعنوي والتعايش السلمي.
لذا فإن المذهب المالكي من خلال أصوله يسعى لدرء المفاسد وجلب المنافع، ويبدو هذا واضحا من خلال إعمال أصل سد الذرائع وإن كان في أصله مباحا لكن قد يؤدي إلى مفسدة، فإن في سده يؤدي إلى حفظ الأمن والاستقرار، وهو من الأصول التي اختارتها المدرسة المالكية في خلافها مع المخالف لهم، قال المازري في سياق مناقشة الشافعية: “إذا كان علة المنع حماية الذريعة وجب أن يمنع من لا يتهم لئلا يكون ترك منعه داعية إلى أن يقع فيها من يتهم. لأن هذا ليس من جهة تلك الظنون المنهي عنها، وإنما هو احتياط في الدين، وتحفظ على المسلمين من أن يقعوا في حرام، وذَبٌّ عن قواعد الشرع، ومثل هذا لا يستنكر ورود الشرع”[18].
واستمدادا مما سبق فإن المذهب المالكي والذي يعتبر اختيار المغاربة منذ عصور متتالية إذ اعتبر ضامنا للأمن والاستقرار، مؤكدا على مسألة التعايش ونبذ التطرف وتحقيق التقارب والانفتاح على المذاهب الأخرى. فالمذهب المالكي بكل ما يتسم به من مرونة وقابلية للتكيف مع المستجدات والمحدثات كفيل بأن يحقق الوحدة العقدية ويعطي للدولة هيبتها، ويضمن لها الأمن والاستقرار، وهذا ما يجعل المغاربة يتشبثون بالمذهب المالكي لمراعاته مختلف السياقات المعاصرة. “[19]
والمستخلص مما سبق أن من سماحة المدرسة المالكية العمل على تأمين المستأمن حفظا له على نفسه وماله.
من النتائج المتوصل إليها ما يلي:
– نال موضوع الوسطية عناية كبرى في المدرسة المالكية التي كتب لها البقاء والانتشار بفضل ما ارتكزت عليه من أصول وفروع؛ كانت منزلة على أرض الواقع المعيش. فكلما تشبع الفرد بهذه القيمة وترسخت في فكره وسلوكه كلما كانت لها عظيم الأثر عليه ثم على المجتمع.
– لعبت المدرسة المالكية دورا كبيرا في تحقيق التعايش مع الآخر بفضل ما امتازت به من خصائص المرونة والوسطية والانفتاح على المذاهب المخالفة والأمم السابقة.
– جسدت المدرسة المالكية أنموذجا في التشبث بالوسطية والانفتاح على المخالف، مع البعد عن كل ما من شأنه إثارة الصراعات.
– من مميزات المذهب المالكي بعده المقاصدي؛ فهو يفتح الذرائع ويسدها في تنزيــل الأحــكام الشــرعية مراعيا مقتضيات الواقع ومقتضيات التعامل مع الآخر المخالف، والاستفادة منه بأخذ الحكمة حيثما كانت والقبول برأيه متى كان فيه منفعة ولا يخالف أصول الإسلام. كما يعمل بأصل المصالح المرسلة حتى صار المذهب المالكي متميزا بها. وينظــر إلى مــآلات الأفعــال فيعتــد بهــا بما يدفع المفسدة ويجلب المصلحة. بالإضافة إلى بمراعاته مقاصد الشرع والخلق.
– ومن الأبعاد المقاصدية للوسطية والتعايش المستخلصة من المدرسة المالكية احترام الحرية الدينية وما يعنيه هذا المقصد من احترام للكرامة الإنسانية، وحفظ حقوق الآخر المالية بغية الحفاظ على الأمن والاستقرار للطرفين.
– اقتداء بالهدي النبوي في علاقته مع الآخرين، عملت المدرسة المالكية على ترسيخ قيم العدالة والحرية والتعاون والتفاعل والأمن والسلم وغيرها من القيم.
فما أحوجنا اليوم لبناء جيل مؤمن بالوسطية والاعتدال، يقدر قيمة الحياة الأمنة المطمئنة ويسعى لحفظ نفسه وغيره، فليجم النفس الأمارة بالسوء عن ارتكاب المعاصي والاعتداء على الأرواح، وبدلا من ذلك يسعى ليتعايش مع أخيه في الإسلام وأخيه في الإنسانية.
1. القرآن الكريم.
2. إبراهيم القادري بوتشيش: نشأة المدرسة المالكية بالمغرب والأندلس.
3. أحمد بن إدريس القرافي: شرح تنقيح الفصول، حققه: طه عبد الرؤوف سعد، شركة الطباعة الفنية المتحدة، الطبعة الأولى: 1393هـ/1973م.
4. أحمد قائد الشعيبي: وثيقة المدينة المضمون والدلالة، كتاب الأمة، العدد 110، الطبعة الأولى: ذو القعدة: 1426هـ- ديسمبر2005- يناير 2006م، السنة الخامسة والعشرون، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية – قطر.
5. إسماعيل بن حماد الجوهري: الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، تحقيق: أحمد عبد الغفور عطار، دار العلم للملايين – بيروت، الطبعة الرابعة: 1407 هـ-1987م.
6. أنطوان نعمة وآخرون: المنجد في اللغة العربية المعاصرة، بيروت، دار المشرق، الطبعة الثالثة، 2000.
7. تقرير: ندوة “المذهب المالكي في سياقاته المعاصرة” إعداد مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوك، الرابطة المحمدية للعلماء، بالرباط والمركز الأكاديمي للثقافة والدراسات بفاس والمؤسسة العلمية الكتانية بالرباط.
8. عبد الرحمن بن خلدون: ديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر ومن عاصرهم من ذوي الشأن الأكبر، المحقق: خليل شحادة، دار الفكر، بيروت، الطبعة الثانية، 1408هـ- 1988م.
9. عبد الفتاح الزنيقي: المدرسة المالكية العراقية نشأتها، خصائصها، أعلامها.
10. عبد الكريم زيدان: المدخل لدراسة الشريعة الإسلامية، مؤسسة الرسالة ناشرون، بيروت- لبنان، الطبعة الأولى: 1425هـ- 2005م.
11. عبد الله بن سليمان الغفيلي: وسطية أهل السنة والجماعة في باب القدر، مجلة البحوث الإسلامية، بإشراف ومسؤولية الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء، العدد السادس والسبعون- الإصدار: من رجب إلى شوال لسنة 1426هـ.
12. القاضي عياض بن موسى اليحصبي: ترتيب المدارك وتقريب المسالك، المحقق: ابن تاويت الطنجي، مطبعة فضالة- المحمدية، المغرب، الطبعة الأولى: 1965 م.
13. مالك بن أنس بن مالكّ: المدونة، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى: 1415هـ- 1994م.
14. محمد بن إسماعيل البخاري: الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله (ﷺ) وسننه وأيامه= صحيح البخاري، المحقق: محمد زهير بن ناصر الناصر، دار طوق النجاة (مصورة عن السلطانية بإضافة ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي)، الطبعة الأولى: 1422هـ .
15. محمد بن منظور: لسان العرب، دار صادر – بيروت، الطبعة الثالثة – 1414 هـ .
16. محمد التاويل: خصائص المذهب المالكي: سلسلة الدروس الحسنية، الخميس 7 رمضان 1425/ 21 اكتوبر 2004.
17. محمد القرطبي: الجامع لأحكام القرآن= تفسير القرطبي، تحقيق: أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش، دار الكتب المصرية– القاهرة، الطبعة الثانية، 1384هـ- 1964م.
18. محمد المازري: شرح التلقين، تحقيق: سماحة الشيخ محمد المختار السلامي، دار الغرب الإسلامي، الطبعة الأولى: 2008م.
19. المرتضى الزين أحمد: التعايش بين المسلمين وبين غير المسلمين في افريقيا من منظور شرعي، مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية، العدد التاسع، 1418هـ/ 1988.
20. وهبة الزحيلي: إذا اختل ميزان الحق والعدل وقع المجتمع فريسة للانحرافات القاتلة، مجلة الوعي الإسلامي، العدد 481، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية الكويت، السنة 42، رمضان 1426هـ/ أكتوبر– نوفمبر 2005م.
21. يوسف بن عبد الله بن عبد البر القرطبي: الانتقاء في فضائل الثلاثة الأئمة الفقهاء مالك والشافعي وأبي حنيفة رضي الله عنهم، دار الكتب العلمية – بيروت.
[1] هو من أصل عربي، اختلف في مولده ومدة حمل أمه به، ألف العديد من المؤلفات، اشتهر بأنه حجة في الحديث، فعرف بإمام أهل الحديث، روى عنه علماء كثر دليل على جَلالَةِ قَدْرِهِ وَرَفِيعِ مَكَانِهِ فِي عِلْمِهِ وَدِينِهِ وَحِفْظِهِ وَإِتْقَانِهِ، وتوفيّ 179هـ/795م. انظر: أبو عمر يوسف بن عبد البر القرطبي: الانتقاء في فضائل الثلاثة الأئمة الفقهاء مالك والشافعي وأبي حنيفة رضي الله عنهم، دار الكتب العلمية – بيروت، ص 10-15 بتصرف.
[2] عبد الرحمن بن خلدون، ديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر ومن عاصرهم من ذوي الشأن الأكبر، المحقق: خليل شحادة، دار الفكر، بيروت، الطبعة: الثانية، 1408 هـ – 1988م، 7/681.
[3] ادريس مستعد: المالكية وسطية نسقية.
[4] انظر: تقرير: ندوة “المذهب المالكي في سياقاته المعاصرة” إعداد مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوك، الرابطة المحمدية للعلماء بالرباط والمركز الأكاديمي للثقافة والدراسات بفاس والمؤسسة العلمية الكتانية بالرباط.
[5] شرح تنقيح الفصول، أحمد بن إدريس القرافي، حققه طه عبد الرؤوف سعد، شركة الطباعة الفنية المتحدة، الطبعة الأولى: 1393هـ/1973م، ص:445.
[6] عبد الكريم زيدان، المدخل لدراسة الشريعة الإسلامية: مؤسسة الرسالة ناشرون، بيروت- لبنان، الطبعة الأولى: 1425هـ- 2005م، ص155- 156.
[7] محمد القرطبي: الجامع لأحكام القرآن= تفسير القرطبي، تحقيق: أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش، دار الكتب المصرية– القاهرة، الطبعة الثانية، 1384هـ-1964م. 2 /57-58.
[8] محمد هشام البرهاني: سد الذرائع في الشريعة الإسلامية – مطبعة الريحاني، الطبعة الأولى: /1406هـ-1986م، ص:615.
[9] محمد التاويل: خصائص المذهب المالكي: سلسلة الدروس الحسنية، الخميس 7 رمضان 1425/ 21 اكتوبر 2004، ص:6.
[10] ادريس مستعد: المالكية وسطية نسقية.
[11] محمد التاويل: خصائص المذهب المالكي، ص 6-7.
[12] مالك بن أنس بن مالكّ: المدونة، دار الكتب العلمية، الطبعة: الأولى، 1415هـ – 1994م، 2/ 221.
[13] أبو الوليد سليمان الباجي: المنتقى شرح الموطأ، مطبعة السعادة – بجوار محافظة مصر، ط: الأولى، 1332 هـ (ثم صورتها دار الكتاب الإسلامي، القاهرة – الطبعة: الثانية، بدون تاريخ)، 2/ 178.
[14] عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ (ﷺ) قَالَ: «مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا» رواه البخاري في صحيحه، رقم: (3166)، كتاب الجزية والموادعة، بَابُ إِثْمِ مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا بِغَيْرِ جُرْمٍ.” انظر: محمد بن إسماعيل البخاري الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه = صحيح البخاري، المحقق: محمد زهير بن ناصر الناصر، دار طوق النجاة (مصورة عن السلطانية بإضافة ترقيم: محمد فؤاد عبد الباقي)، الطبعة: الأولى، 1422هـ، 4/ 99.
[15] محمد التاويل: خصائص المذهب المالكي، ص:9-10.
[16] مالك بن أنس: المدونة، 4/190.
[17] مالك بن أنس: المدونة، 2/250.
[18] محمد المازري: شرح التلقين، تحقيق: سماحة الشيخ محمد المختار السلامي، دار الغرب الإسلامي، الطبعة الأولى: 2008م، 2/320-321.
[19] كلمة محمد آيت المكي، تقرير: ندوة “المذهب المالكي في سياقاته المعاصرة” إعداد مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوك، الرابطة المحمدية للعلماء بالرباط والمركز الأكاديمي للثقافة والدراسات بفاس والمؤسسة العلمية الكتانية بالرباط.